امتن الله تعالى على عباده بتسخير الأرض لهم، كآية من آيات بديع خلقه، تسحق الشكر: :﴿وَآَيَةٌ لَهُمُ الْأَرْضُ الْمَيْتَةُ أَحْيَيْنَاهَا وَأَخْرَجْنَا مِنْهَا حَبًّا فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ، وَجَعَلْنَا فِيهَا جَنَّاتٍ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ وَفَجَّرْنَا فِيهَا مِنَ الْعُيُونِ، لِيَأْكُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ وَمَا عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ أَفَلَا يَشْكُرُونَ﴾ (سورة يس، ألايات:33-35). كما جعل من خصائصها.. صلاحيتها، وقابليتها للحرث والزرع:”أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَحْرُثُونَ، أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ، لَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَاهُ حُطَامًا فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ” (سورة الواقعة، الآيات:63-65).
والنبات “مفاعل حيوي” يقوم بتثبيت الطاقة الشمسية على الكرة الأرضية. فهو مصدر متجدد للأكسجين. كما يقوم بتثبيت نسبتي الأكسجين وثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي. والنباتات وغطائها الأخضر تحمي الأرض من التصحُّر ومن انجراف التربة، ووجودها البيئي ضروري جدا للمحافظة على العديد من الحيوانات من خطر الانقراض. وهو صانع رئيس للغذاء (للإنسان، والحيوان)، والعديد الأدوية، والعطور. فالنبات يستغل الطاقة الضوئية، والماء، وثاني أكسيد الكربون ليكون لنا، وللكائنات الحية غير ذاتية التغذية (أي غير القادرة على تصنيع غذاءها من خاماته الأولية كما يفعل النبات) المواد الغذائية. فجميع المواد الكربوهيدراتية والبروتينية والفيتامينات الدهنية مصدرها الأصلي النبات.
وكانت النباتات- وما تزال- أحد أهم مصادر مواد البناء، والورق، والأصباغ، والزيوت، والأنسجة. حيث تبنى من جذوع الأشجار وأخشابها البيوت والسفن. وهي أيضا مصدر للطاقة عن طريق حرق الحطب للوقود. وهي في حد ذاتها أحد أهم المكونات الطبيعية التي تكون منها النفط والغاز والفحم منذ ملايين السنين، والتي تستخدم الآن كمصدر رئيسي للطاقة وللمنتجات الصناعية المختلفة. وعديدة هي مجالات الاستفادة الصناعية من النباتات وثمارها أو أزهارها أو بذورها أو أجزائها المختلفة. كما تشكل مصدر دخول للعديد من المزارعين، والحرفيين، والصناع.
وأذا ما كانت تلك بعض فوائد واهمية النباتات في حياتنا. فنجد في شريعتنا الغراء، المُتممة والخاتمة، كل ما يؤطر ويوضح ويقنن الحقوق والواجبات الملقاة علي عاتق الإنسان. وقد أصّل الرسول، صلى الله عليه وسلم، هذه الحقوق المتقابلة في أحاديث كثير منها: “أن “سلمان الفارسي” قال لأبي الدرداء بعدما رأى أن زوجته مبتذلة: (إن لربك عليك حقاً، وإن لنفسك عليك حقاً، ولأهلك عليك حقاً، فأعط كل ذي حق حقه”. فأتى النبي، صلى الله عليه وسلم، فذكر له ذلك فقال: “صدق سلمان” (صحيح البخاري ـ مع الفتح ـ 4/191 – 193). فهذا القانون، والمبدأ العظيم: “فأعط كل ذي حق حقه” شامل لكل العلاقات التي تربط الإنسان بربه أولاُ. ثم بنفسه، وأهلة، وبكل من، وما حوله. وللنبات من هذه الحقوق نصيب كبير.. مُقدر وهام. عليه أن يقابلها بالوفاء لا بالجفاء، وبالتحقيق لا بالعقوق، وبالشكران لا بالكفران، وبالاصلاح لا بالافساد، وبالتعمير لا بالتدمير.
من هذه الحقوق حقه في تمهيد الأرض واستصلاحها لزراعته. ومن هنا كان الهدي النبوي الشريف:“من أحيا أرضاً ميتة فهي له” (رواه أحمد). وفي هذا حث على استصلاح الأرض وزراعتها وإنشاء الطرق المؤدية إليها. كما أقطع الخلفاء الراشدون والولاة المسلمون الأرض البور لاستصلاحها وزراعتها وسحبت ممن لم يستصلحها. وله حق في مورد ماء دائم مناسب يديم عليه حياته ونمائه وأستوائه. فحياة النبات ترتبط بوجود الماء. لذا لزم حفر الآبار، وشق الأنهار والترع والمصارف، قال تعالى:“ وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا، أَخْرَجَ مِنْهَا مَاءَهَا وَمَرْعَاهَا، وَالْجِبَالَ أَرْسَاهَا، مَتَاعًا لَكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ” (سورة النازعات، الآيات: 30 – 33).
ولما فتح المسلمون البلدان عمدوا إلى إصلاح وسائل الري وتنظيمها ببناء السدود وحفر القنوات وإقامة الجسور والقناطر. واستثمروا الأراضي الزراعية باستنبات النبات المناسب في التربة الصالحة له، بعد أن وقفوا على خصائص أنواع التربة. كما اعتنوا بتسميد التربة، وجلبوا أنواعًا كثيرة من الأشجار والنبات والغلال، كالأرز وقصب السكر والزيتون والمشمش التي أدخلوها إلى أوروبا. كما نقلوا إلى أوروبا نباتات وأعشاباً طبية وعطرية كثيرة.
ولقد حمى الإسلام حق النبات في الغرس وجعل علي ذلك المثوبة من الله تعالى. وحتي لو لم يجد الزارع ثمرها، (كفسيلة النخل)، إلا بعد سنوات متطاولة. فعن “أنس بن مالك” رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:”إن قامت الساعة وبيد أحدكم فسيلة فإن استطاع أن لا يقوم حتى يغرسها فليفعل” (رواه البخاري في مفرده، والإمام أحمد في مسنده). وفي هذا ترغيب وحث علي غرس الأشجار، وزرع المزروعات حتي مع “الذهول” بقيام الساعة، وأحداثها. كما إن مثوبة الزرع أو الغرس ممتدة إلى ما بعد الموت، وصدقة جارية إلى يوم القيامة:”.. لا يغرس المسلم غرساً، فيأكل منه إنسان ولا دابة ولا طير إلا كان له صدقة إلى يوم القيامة”.
وروى أن رجلاً مر بأبي الدرداء، رضي الله عنه، وهو يغرس جوزة فقال: “أتغرس هذه، وأنت شيخ كبير، وهي لا تثمر إلا في كذا وكذا عاما”. فقال “أبو الدرداء”: “ما علي أن يكون لي أجرها ويأكل منها غيري؟”. وكان الفاروق”عمر”، رضي الله عنه، يساعد الرعية في غرس الأشجار. وقال لخزيمة بن ثابت: “ما يمنعك أن تغرس أرضك؟”. فقال: أنا شيخ كبير أموت غداً. فقال “عمر”: أعزم عليك لتغرسنها، وقام وغرس الأرض مع صاحبها.
ولقد سلك علي هذا النهج المسلمون فيما بعد. فكان من دأبهم إذا فتحوا بلداً بدأوا بشيئين: بناء المسجد وإقامة المشاريع الزراعية. وكان همُّ الولاة الأول ـ بعد العبادة ـ الاستقرار الاقتصادي الزراعي. ومن ثَمَّ سرعان ما قامت المزارع العامر ، والبساتين النضرة، والحدائق الغناء. حدث ذلك في المشرق والمغرب على حد سواء. وانتشرت في كل من بغداد، ودمشق، ومكة، والمدينة المنورة، والقاهرة، وقرطبة، وصقلية، وأشبيلية الخ.
وللنبات حق في الحماية من الهلاك بسبب الحيوان أو الإنسان، أو الإفساد في الأرض. ولذلك نص الفقه الإسلامي على أن صاحب الحيوان ضامن إذا خرجت حيواناته ليلاً وأهلكت زرع أحد الجيران. لأن عليه حماية حيواناته من الخروج ليلاً. كما جعل صاحب الزرع مسئولاً عن زرعه نهاراً فعليه حراسته. وإذا اعتدت عليه الحيوانات فهو الضامن لنباته. ولقد منع الإسلام الحجيج (وهم كثر) من قطع نبات الحرم أو إتلافه في مكان الحرم. ولقد أوصى الصديق “أبو بكر”، رضي الله عنه، قائد جيش الشام بقوله: “لا تقتل صبياً، ولا امرأة، ولا تخربن عامراً، ولا تعقرن شاه، ولا بعيراً إلا لمأكله، ولا تغرقن نخلاً، ولا تحرقه”. وهذه حماية للأشجار المثمرة، والنخيل، والزرع من الهلاك أثناء الحرب، والهرج والمرج. حق لم تكفله القوانين الوضعية ولا تشريعات الدول المتقدمة.
كما منع الإسلام الإفساد في الأرض بعد إصلاحها: “وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا إِنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ” (سورة الأعراف، الآية: 56). ومن صور الإفساد التلوث البيئي الذي يُهلك التربة والنبات والماء فيحرم النبات من حقه في بيئة نظيفة: “ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ” (سورة الروم ، الآية: 41). وقد روى “أبو داوود” أن: “من قطع سدرة صوب الله رأسه في النار”. والسدرة في الفلاة يستظل بها ابن السبيل والبهائم. وفي هذا حماية لأشجار البر من القطع الظالم، وحماية لأشجار الغابات من القطع الجائر.
وللأشجار والمزروعات التي يتم التفيؤ بظلالها حق في محيط بيئي نظيف. فقد حذرنا صلى الله عليه وسلم من قضاء الحاجة تحت الأشجار التي يُستظل بها، وقد يُنتفع بثمارها. وعد ذلك من “الملاعن”، فقال:”اتقوا الملاعن الثلاث: البراز في الموارد، وقارعة الطريق، والظل”(رواه أبو داوود). ولم يعط الإسلام النبات حقه في الحماية فقط بل أقر حقه في الرعاية الخاصة. وفي كل سبيل ـ علمي، وبحثي، وعملي، وتقني ـ يؤدي لحسن إنتاجه. فقد مر النبي صلى الله عليه وسلم بالأنصار وهم يُلقحون نخيلهم. فسألهم ماذا يفعلون فأخبروه، فلم ير ضرورة لهذا الأمر. وظنه الأنصار أمراً دينياً فتركوا التلقيح. فخرج الثمر رديئاً، غير صالح للأكل. فلما سألهم قالوا له: أنت أشرت علينا بتركه فقال لهم:”إنما ظننت ظناً، فلا تؤاخذوني بالظن، أنتم أعلم بأمور دنياكم”.
ومن حق النبات الإنتفاع بمنتوجاته، وأستثمارها في سبيل تحقيق حُسن خلافة الإنسان علي الأرض. فتعينه هذه الأرزاق علي مواصلة عبادة ربه، وابتغاء مثوبته، ومرضاته. قال تعالى: “والنخل باسقات لها طلع نضيد رزقاً للعباد وأحيينا به بلدةً ميتاً كذلك الخروج”(سورة ق، الآيتان: 10- 11)، ويقول جل شأنه:”وفي الأرض قطع متجاورات وجنات من أعناب وزرع ونخيل صنوان وغير صنوان يسقى بماء واحد ونفضل بعضها على بعض في الأكل إن في ذلك لآيات لقوم يعقلون”(سورة الرعد، الآية: 4). وقال، صلى الله عليه وسلم: “يا عائشة بيت بلا تمر جياع أهله، أوجاع أهله، قالها مرتين أو ثلاثة”(من حديث رواه مسلم). وقال، صلى الله عليه وسلم:”كلو الزيت وادهنوا به، فإنه يخرج من شجرة مباركة”(رواه الترمذي).
حق النبات في الدراسة، والبحث العلمي المفيد، والحفاظ على “أصوله وصفاته الوراثية”. قال تعالى:” وَهُوَ الَّذِيَ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء فَأَخْرَجْنَا بِهِ نَبَاتَ كُلِّ شَيْءٍ فَأَخْرَجْنَا مِنْهُ خَضِرًا نُّخْرِجُ مِنْهُ حَبًّا مُّتَرَاكِبًا وَمِنَ النَّخْلِ مِن طَلْعِهَا قِنْوَانٌ دَانِيَةٌ وَجَنَّاتٍ مِّنْ أَعْنَابٍ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُشْتَبِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ انظُرُواْ إِلِى ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَيَنْعِهِ إِنَّ فِي ذَلِكُمْ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ”(سورة الأنعام، ألآية: 99). و”النظر” هنا نظر تأمل وتدبر وبحث، وملاحظة منظمة، ودراسة علمية موثقة. ولقد صال وجال علماء ورواد مسلمون في علم النبات والأعشاب، منهم: “أبو الخير الأشبيلي”) عاش في القرن الخامس الهجري)، و”ابن العوام” (عاش في أشبيلية في القرن السادس للهجرة)، و”ابن الصوري” (573- 639هـ)، و”ابن السراج” (654- 720هـ)، و”الدينوري” (ت 282هـ، 895م)، و”الغافقي” (ت 560هـ / 1165م)، و”ابن الرومية” (1165- 1240م)، و”ابن البيطار” (1197- 1248م).
ومن المعلوم أن الله خلق النباتات وأودع فيها صفات وخصائص وراثية تميز كل نوع عن الآخر. فلا ينبغي “التلاعب والتحوير الجيني” الضار بصحة الإنسان والحيوان. قال تعالى: “وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا” (سورة الأعراف، الآية: 56).
كثيراً ما يلفت القرآن الكريم نظرنا إلي أن مقاصد خلق الإنعام ليست قاصرة علي توفير المنافع والضرورات المادية من طعام، وشراب، وتناسل، وركوب فقط. بل لتوفير المنافع المعنوية أيضاً وعلي رأسها تلبية وإشباع ذائقة الإنسان للجًمال، وحاجته إلى الزينة. كي يحسن تعرفه وتيقنه بقدرة ربه، وبديع صنعه في خلقه:” وَالْأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ، وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ، وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إِلَى بَلَدٍ لَمْ تَكُونُوا بَالِغِيهِ إِلَّا بِشِقِّ الْأَنْفُسِ إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ، وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ” (سورة النحل، الآيات::5-8). وإذا كان ذلك شان الأنعام ففي النبات، أيضاً، جمال رائع بديع ينبغي بيانه ولفت النظر إليه لتأمله، وتذوقه. قال تعالى: “أَمَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ مَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَهَا أَءلَهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ (سورة النمل، الاية:60).
ويشير “أدولف بورتمان”، الحُجة في مجال أشكال الكائنات الحية وعلاماتها المميزة ووظائفها، إلي: “أن هناك سماتاً كثيرة لا تفسرها الضرورة أو الملائمة للبقاء، فالأوراق ضرورية لإنتاج الشجرة غذائها، ولكن هناك الكثير في شكلها، وخطوطها مما ليس تكيفا مع البيئة، بل هو أمر جمالي تصويري محض. إن عملية التمثيل الضوئي قد تفسر وجود وظيفة الأوراق، لكنها لا تفسر بأي حال تمايز وجمال ورقة البلوط عن ورقة القيقب” (المرجع الأصليِ Adolf Portmann: New pathways in Biology).
فالزهور، وأوراق النباتات وتصنيفاتها وعروقها وتعرجاتها الظاهرة والدقيقة، وألوانها، تعطي تصانيف جمالية لا حصر لها هي غاية في الإبداع والدقة والإنسجام والتناسق المبهر. صفات تبعث علي البهجة”:”.. وَتَرَى الْأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ”(سورة الحج، الآية: 5)، ويقول تعالى: “وَالْأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ”(سورة ق، الآية: 7). ويقول جل شأنه:”أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنْ السَّمَاءِ مَاءً فَسَلَكَهُ يَنَابِيعَ فِي الْأَرْضِ ثُمَّ يُخْرِجُ بِهِ زَرْعًا مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَجْعَلُهُ حُطَامًا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِأُوْلِي الْأَلْبَابِ”(سورة الزمر، الآية:21). إنها دعوة مستمرة لتأمل “دنيا النبات” واليانع من الثمار:” وَهُوَ الَّذِي أَنزَلَ مِنْ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ نَبَاتَ كُلِّ شَيْءٍ فَأَخْرَجْنَا مِنْهُ خَضِرًا نُخْرِجُ مِنْهُ حَبًّا مُتَرَاكِبًا وَمِنْ النَّخْلِ مِنْ طَلْعِهَا قِنْوَانٌ دَانِيَةٌ وَجَنَّاتٍ مِنْ أَعْنَابٍ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُشْتَبِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ انظُرُوا إِلَى ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَيَنْعِهِ إِنَّ فِي ذَلِكُمْ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ”(سورة الأنعام، الآية:99).
وحقه كمضرب للأمثال، لتقريب المعاني إلي الأفهام. فعَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: “إِنَّ مِنَ الشَّجَرِ شَجَرَةً لاَ يَسْقُطُ وَرَقُهَا، وَإِنَّهَا مَثَلُ المُسْلِمِ، حَدِّثُونِي مَا هِيَ» قَالَ: فَوَقَعَ النَّاسُ فِي شَجَرِ البَوَادِي قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: فَوَقَعَ فِي نَفْسِي أَنَّهَا النَّخْلَةُ، فَاسْتَحْيَيْتُ، ثُمَّ قَالُوا: حَدِّثْنَا مَا هِيَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: «هِيَ النَّخْلَةُ» (أخرجه البخاري). وعَنْ أَبِي رَزِينٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:”مَثَلُ الْمُؤْمِنِ مَثَلُ النَّحْلَةِ لَا تَأْكُلُ إِلَّا طَيِّبًا وَلَا تَضَعُ إِلَّا طَيِّبًا”(صحيح ابن حبان). وعَن “أَبِي هُرَيرة”، عَن النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيه وَسَلَّم قال: مثل المؤمن مثل الزرع لا تزال الريح تميله، ولاَ يزال المؤمن يصيبه بلاء ومثل المنافق كمثل الشجرة الأرز لا تزال تهتز حتى تنجفل”(مسند البزار). وفي مسند الإمام أحمد: عَنْ أَبِي مُوسَى، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:” مَثَلُ الْمُؤْمِنِ الَّذِي يَقْرَأُ الْقُرْآنَ مَثَلُ الْأُتْرُجَّةِ طَعْمُهَا طَيِّبٌ وَرِيحُهَا طَيِّبٌ. وَمَثَلُ الْمُؤْمِنِ الَّذِي لَا يَقْرَأُ الْقُرْآنَ مَثَلُ التَّمْرَةِ طَعْمُهَا طَيِّبٌ وَلَا رِيحَ لَهَا. وَمَثَلُ الْمُنَافِقِ الَّذِي يَقْرَأُ الْقُرْآنَ كَمَثَلِ الرَّيْحَانَةِ طَيِّبٌ رِيحُهَا وَلَا طَعْمَ لَهَا” وَقَالَ يَحْيَى: “مَرَّةً طَعْمُهَا مُرٌّ، وَمَثَلُ الْمُنَافِقِ الَّذِي لَا يَقْرَأُ الْقُرْآنَ مَثَلُ الْحَنْظَلَةِ لَا رِيحَ لَهَا وَطَعْمُهَا خَبِيثٌ”.
ومن حقوق النبات اخراج زكاته عند وجوبها. تنفيذاً لأمر الله تعالي الذي يصلح من شأن الناس قال تعالى: “وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ جَنَّاتٍ مَعْرُوشَاتٍ وَغَيْرَ مَعْرُوشَاتٍ وَالنَّخْلَ وَالزَّرْعَ مُخْتَلِفًا أُكُلُهُ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُتَشَابِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَآَتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ”(سورة الأنعام، الآية: 141). وكذلك كي يبارك الله فيه ويحميه من الهلاك إذا ما تم منع حق الفقير والمسكين: “إِنَّا بَلَوْنَاهُمْ كَمَا بَلَوْنَا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِينَ، وَلَا يَسْتَثْنُونَ، فَطَافَ عَلَيْهَا طَائِفٌ مِنْ رَبِّكَ وَهُمْ نَائِمُونَ، فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ”(سورة القلم، الآيات: 17-20. فلما منع هؤلاء النفر حق الله ، الذي هو حق المساكين والفقراء في انتاج الجنة أهلكها الله، وحرمهم منها.
خلاصة القول: ضمن علم الأحياء Biology يشغل علم النبات Botany موقعه الرئيس بجوار نظيره علم الحيوان Zoology. ومضمار علم النبات هو البحث في أنواعه، وخصائصها، وعجائبها، وأشكالها، وتركيبها، وعللها، ومنافعها، ومضارها، وكيفية التداوي بها. وللنبات أهمية كبري منها: فوائده الغذائية، والعلاجية، والطبية، والصناعية، والعطرية، والبيئية، والطبيعية. لذا ففي تلبية حقوقه علي خير وجه.. يتحقق جانب كبير من عمارة الأرض:” وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُجِيبٌ” (سورة هود، الآية: 61). لكل مخلوق ـ من البشر، أو الحيوان، أو النبات، أو الجماد ـ من مخلوقات الله تعالي حقوقه. ولقد كثر الحديث عن حقوق الحيوان في الإسلام. والنبات ـ شأنه كشأن الحيوان ـ من أهم الكائنات الحية. فله خيرات كثيرة، ومنافع وفيرة، وفوائد عظيمة، وأهمية كبيرة. لو غابت لغابت الحياة من علي وجه الأرض. لذا إن لم يُعط حقه فسدت العلاقات، واختلت التوازنات، وتهدمت البيئات، وزالت الحضارات.
أ.د ناصر أحمد محمد سنه
كاتب وأكاديمي ومن باحثي موسوعة الأعجاز العلمي في القرآن والسنة
nasenna62@hotmail.com